كيف يغير الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين قواعد الامتثال في عالم معاملات العملات الرقمية لضمان مستقبل أكثر أمنًا
[ العملات الرقمية / سلسلة الكتل ]
تاريخ
6 أكتوبر 2024
مدة القراءة
قراءة تستغرق 4 دق
مشاركة المنشور
[ العملات الرقمية / سلسلة الكتل ]
يشير امتثال العملات الرقمية إلى مجموعة الالتزامات القانونية والتنظيمية التي يتعين على الشركات الوفاء بها، خصوصًا في ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال (AML)، وبروتوكولات عملية اعرف عميلك (KYC)، ومكافحة تمويل الإرهاب (CFT). وصُممت هذه التدابير للسيطرة على الأنشطة غير المشروعة مثل غسل الأموال، والاحتيال، وتمويل الإرهاب، والتي تزداد خطورتها نتيجة إمكانية إخفاء الهوية في عالم العملات الرقمية.
وفي هذا السياق، أوردت شركة تشايناليسيس (Chainalysis) أنه في عام 2023 تم تسجيل 23.8 مليار دولار كمعاملات غير قانونية، بزيادة تقارب 20% مقارنةً بالعام السابق. ومع اتساع نطاق تبني العملات الرقمية عالميًا، تتصاعد الضغوط التنظيمية، مما يدفع الشركات لاعتماد أساليب امتثال أكثر كفاءة.
تعمل العملات الرقمية على شبكات لا مركزية عالمية لا تتقيد بالحدود، مما يجعل فرض الامتثال تحديًا صعبًا. خلافًا للأنظمة المصرفية التقليدية، التي تتيح للجهات المركزية التحكم والتدخل، تتم المعاملات في عالم العملات الرقمية بشكل مباشر بين المستخدمين دون حواجز. بالإضافة إلى أن إمكانية إخفاء الهوية الحقيقية للمشاركين يُعقد القدرة على تحديد الجهات المشبوهة، خاصة عند ضعف بروتوكولات عملية اعرف عميلك (KYC) التي تستخدم للتحقق من هوية العملاء.
في عام 2023، أظهرت تقارير صادرة عن شركة سايفر تريس (CipherTrace) أن ما نسبته 40% من منصات تداول العملات الرقمية لم تحقق الامتثال الكامل لجميع معايير عملية اعرف عميلك (KYC). ونتيجة لكون العديد من هذه المنصات الصغيرة واللامركزية عاجزة عن تطبيق نظم امتثال فعالة، فإن هذا يسمح بوجود ثغرات تسهل الأنشطة المشبوهة.
يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تحقيق الأتمتة في الامتثال عن طريق استخدام خوارزميات التعلم الآلي لرصد الحالات الخارجة عن المألوف واكتشافِ السلوكيات المريبة. علاوة على ذلك، تستطيع الحلول المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أن تعالج كميات ضخمة من بيانات المعاملات بشكل فوري؛ حيث تقوم بتحليل الأنماط وتنبيه المستخدمين بشأن الأنشطة غير الطبيعية.
تسمح أنظمة اعرف عميلك (KYC) المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بالتحقق التلقائي من هوية المستخدمين خلال عملية التسجيل، مما يقلل من الأخطاء اليدوية أو البشرية، ويعزز كفاءة إجراءات الامتثال. مثلاً، يمكن للذكاء الاصطناعي فحص وثائق الهوية والمقاييس الحيوية للوجه إلى جانب البيانات السلوكية للتأكد من استيفاء المستخدمين الجُدد للمتطلبات التنظيمية.
شهدت العديد من المنصات في عام 2024 انخفاضًا كبيرًا في تكاليف الامتثال نتيجة لتطورات الذكاء الاصطناعي. فوفقًا للموقع الإلكتروني فينكسترا (Finextra)، نجحت الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في مراقبة المعاملات في تقليص المعدلات الإيجابية الخاطئة بنسبة 35% في عام 2023، مما ساهم في توفير ملايين الدولارات من الغرامات التنظيمية والنفقات التشغيلية.
تعتبر تقنية البلوك تشين، التي تتميز بالشفافية والثبات واللامركزية، أداة مهمة لتعزيز جهود الامتثال؛ فهذه التقنية تضمن وجود سجل دائم وشفاف للمعاملات، يمكن للجهات التنظيمية الاطلاع عليه لأغراض التدقيق.
على سبيل المثال، يمكن تضمين فحوصات الامتثال في العقود الذكية، وهي عقود ذاتية التنفيذ تُكتب شروطها مباشرة في الشفرة (الكود). كما تعمل هذه العقود على تطبيق الامتثال بشكل تلقائي من خلال التأكد من إجراء المعاملات فقط عند استيفاء شروط تنظيمية معينة، مثل التحقق من العملاء (KYC).
ومن الجدير بالذكر أنّ هناك دولاً، مثل إستونيا، بدأت في استخدام تقنية البلوك تشين لضمان الامتثال في الهويات الرقمية. ففي مثل هذه الدول، يتضمن برنامج الإقامة الإلكترونية أنظمة قائمة على البلوك تشين لإدارة هويات المستخدمين، مما يضمن الامتثال الفوري للمعايير التنظيمية بالنسبة للشركات المحلية والدولية.
رغم الفوائد المتعددة للذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين، إلا أنهما يواجهان عقبات كبيرة فيما يخص أتمتة الامتثال. بالنسبة للذكاء الاصطناعي، تتطلب أنظمته بيانات ضخمة عالية الجودة لضمان أدائها بشكلٍ صحيح، الأمر الذي قد يكون صعبًا في مجال معاملات العملات الرقمية التي يُمكن فيه إخفاء الهوية، مما يخلق عوائق أمام الوصول إلى بيانات موثوقة وشاملة. كما أن نماذج الذكاء الاصطناعي قد تكون عرضة للتحيزات، مما يُفضي أحيانًا إلى إنذارات خاطئة أو معاملة غير عادلة للمستخدمين الحقيقيين.
أما تقنية البلوك تشين، فهي تواجه تحديات تتعلق بإمكانية التوسع رغم تميزها بالشفافية؛ فالسلاسلُ العامة لهذه التقنية قد تكون بطيئة في أدائها بحيث لا يمكنها معالجة إلا عدد محدود من المعاملات في الثانية الواحدة. ومن التحديات الأخرى التي تواجه البلوك تشين أيضًا تزايد المخاوف المتعلقة بالخصوصية؛ فالشفافيةُ التي تتمتع بها هذه التقنية تعتبر مفيدة إلى حدٍ كبير بالنسبة للجهات الرقابية، ولكنها قد لا تناسب المستخدمين الذي يفضلون إخفاء هويتهم.
إضافة إلى ذلك، هناك تحدٍ آخر يتمثل بغياب التنسيق التنظيمي على المستوى العالمي، والذي يُشكل عقبة أمام العثور على حلٍ موحد يناسب الجميع ومختلف الحالات. فكما هو معروف، تتنوع متطلبات الأنظمة القانونية بين الدول، مما يستدعي أن تكون حلول الامتثال مرنة وقابلة للتكيف مع هذا الاختلاف.
شهد عام 2024 توجهًا رائدًا من قبل العديد من الشركات لدمج الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين ضمن جهودها لتحقيق الامتثال. وفيما يلي قائمة بأبرز هذه الشركات:
تشايناليسيس (Chainalysis): من الشركات المعروفة في مجال تحليل البلوك تشين، حيث تستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة معاملات العملات الرقمية وكشف الأنماط المشبوهة. في عام 2023، أعلنت شركة تشايناليسيس أنها تعقبت أكثر من 50 مليار دولار من معاملات العملات الرقمية غير الشرعية منذ تأسيسها، مما ساعد الحكومات والجهات المختصة في إنفاذ القانون في استرداد 6 مليارات دولار من الأموال المسروقة.
إلبتيك (Elliptic): تتخصص إلبتيك في تحليل المخاطر المتعلقة بمعاملات البلوك تشين، وتوفر أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة أكثر من 100 نوع من الأصول الرقمية. خلال عام 2023، ساعدت منصة هذه الشركة في اكتشاف معاملات مشبوهة بقيمة 1.5 مليار دولار، مما أسفر عن تقليص المخاطر التي تؤثر على العملاء إلى حد كبير، ومن ضمن هؤلاء العملاء عدد من أكبر المؤسسات المالية على مستوى العالم.
تي آر إم لابس (TRM Labs): توفر هذه الشركة مجموعة متكاملة من أدوات التحليل المعتمدة على تقنية البلوك تشين، والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصدِ والإبلاغ عن الأنشطة المالية المشبوهة عبر مختلف شبكات البلوك تشين. في عام 2024، كانت تي آر إم لابس قد أبرمت شراكات مع أكثر من 200 مؤسسة مالية ومنصة لتداول العملات الرقمية، حيث أسهمت حلولها في اكتشاف أكثر من 10,000 حالة مشبوهة تتعلق بالجرائم المالية.
سيفيك (Civic): تستفيد سيفيك من تقنية البلوك تشين لإدارة الهوية بطريقة غير مركزية؛ حيث تضمن منصتها الخاصة بتحديد هوية العُملاء، أو ما يُعرف بعملية اعرف عميلك (KYC)، والمعتمدة على تكنولوجيا البلوك تشين للمستخدمين إدارة هوياتهم الرقمية بأنفسهم، مع تحقيق الامتثال للأنظمة المحلية. في منتصف عام 2024، ساعدت سيفيك الشركات التي تعتمد على أنظمتها للهوية اللامركزية في خفض نسبة الاحتيال في الهوية بنسبة 22%.
كولبيتكس (CoolBitX): قامت شركة كولبيتكس بتطوير سيجنا بريدج (Sygna Bridge) لتوفير حلول امتثال تُسهل تبادل المعلومات بين مقدمي خدمات الأصول الافتراضية (VASPs). عبر الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، يدعم "سيجنا بريدج" منصات التداول في تلبية متطلبات "قاعدة السفر" أو ما يُعرف بـِ "Travel Rule" والتي حددتها مجموعة العمل المالي (Financial Action Task Force) وتتطلب نقل بيانات معينة حول المعاملات. في عام 2024، قامت أكثر من 40 منصة تداول عالمية بتبني سيجنا بريدج (Sygna Bridge)، مما أدى إلى تقليل وقت الامتثال الإجمالي بنسبة 45%.
وفقًا لما تُشير إليه البيانات العالمية، فإنّ الشركات التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين تحقق نتائج ملموسة في تعزيز أتمتة الامتثال، ونذكر منها ما يلي:
ذكر تقرير نشرته شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة المعاملات قد ساهم في عام 2023 في خفض التنبيهات الإيجابية الكاذبة بنسبة 40%، مما نتج عنه خفض التكاليف التشغيلية بحوالي 3 مليارات دولار. أيضًا، أسهمت شركات تحليل البلوك تشين، مثل إلبتيك وتشايناليسيس، في الكشف عن أكثر من 14 مليار دولار من المعاملات غير المشروعة خلال عام 2023، مما يُعد مؤشرًا واضحًا على الفعالية المتزايدة للأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مكافحة الجرائم في عالم العملات الرقمية.
فضلاً عن ذلك، وصلت قيمة السوق العالمية لحلول البلوك تشين للامتثال إلى 5.2 مليار دولار في نهاية العام 2023، مع معدل نمو سنوي مركب (CAGR) بنسبة 24.6%، مما يشير إلى تزايد الاعتماد على هذه التكنولوجيا في تحقيق الامتثال.
تعتبر سنة 2024 بمثابة نقطة تحول؛ حيث أثبتت تقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين قدرتها على إحداث نقلة نوعية في مجال الامتثال في عالم العملات الرقمية. رغم استمرار التحديات المتعلقة بإخفاء الهوية، واختلاف الأنظمة الرقابية العالمية، والقيود التكنولوجية، فإن التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن يعد ذا قيمة. وبالفعل، أدى استخدام الشركات للذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في إطار الامتثال إلى تقليل المخاطر التنظيمية وتحسين كفاءة العمليات، مما عزز الثقة في النظام المالي ككل.
لكن، لا يزال أمامنا طريقٌ طويل؛ فمع استمرار تطور عالم العملات الرقمية، ستتعاظم أيضًا تعقيدات الأنشطة الإجرامية. لهذا، سيتوجب على الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين أن يتطورا بسرعة، خاصة مع الأنظمة الجديدة المرتقبة من الهيئات الدولية، مثل مجموعة العمل المالي (FATF) ومن الحكومات المحلية.
في الختام، من الجدير التأكيد عليه أن الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين ليستا مجرد أدوات لأتمتة الامتثال، بل تمثلان أيضًا مستقبل الرقابة التنظيمية في العصر المالي الرقمي. ومما لا شك فيه أن الإنجازات التي حققتها هذه التقنيات في مكافحة الجرائم المالية ودعم الشفافية في المعاملات تُعزز من أهميتهما في تشكيل مستقبل العملات الرقمية.
كيف يغير الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين قواعد الامتثال في عالم معاملات العملات الرقمية لضمان مستقبل أكثر أمنًا
[ العملات الرقمية / سلسلة الكتل ]
قراءة تستغرق 4 دق
الاستعانة بمصادر خارجية كشريك استراتيجي لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030
[ الأعمال ]
قراءة تستغرق 3 دق
مساعد الذكاء الاصطناعي